"زواج القاصرات" أشتاق كثيراّ للعب
بيكوز اي كير _ فاتن سلمان_ خاص "اضطررت أن أوافق عشان أهلي ضغطوا عليّ كتير كان عمري 14 سنة وزواجي كان أكبر غلطة في حياتي" بهذه الكلمات بدأت اسراء (اسم مٌستعار) سرد قصة زواجها والتي تكللت بالفشل بعد مدة زمنية تاركة وراءها طفل ، فقد تعّرضت إسراء للضغط من أسرتها لكي توافق على الزواج ظناً منهم أن أنسب مكان للمرأة هو بيت الزوجية ولم يكن لها كلمة مسموعة في المنزل لاعتبارها طفلة
حاولت إسراء اللجوء للأقارب لإقناع أسرتها بالعدول عن قرار الزواج إلاّ أن محاولاتها باءت بالفشل لتوافق في نهاية المطاف،وتقول إسراء " من بداية الزواج لم اتفق مع زوجي الذي كان يكبرني عشرة سنوات وكان بعمر 25 سنة يعيله أهله وانجبت منه ولد وأنا بعمر 15 سنة كانت مشقة كبيرة وأكبر غلطة في حياتي لكن كنت مضطرة لأن أوافق أهلي رغماً عني.. ابني هو ضحية هذا الزواج لأنني تطلقت بعمر 18 سنة واتحمل مسؤولية تربيته لأن طليقي يرفض العناية به "
وتضيف "طلبت الطلاق بإصرار بعد أربع سنوات وأهلي عارضوا ذلك بشدة، كان زوجي دائم السهر مع أصدقائه بمنزلنا وخلال فترة قصيرة قاموا الجيران بطردنا من المنزل، نعم .... لقد افترشنا الأرض لعدة شهور وأصبحت حياتنا مأساة"
تبلغ إسراء اليوم 18 عاماً ولديها طفل بعمر أربع سنوات وهما يمثلان ضحية المجتمع وضحية لعناد الأهل، تحمّلت المسؤولية مبكراً ولم تذق طعم الطفولة والمرح وحتى اللعب، وتتساءل إسراء هنا هل كانت تستطيع الحصول على حماية لو أصرّت على الرفض... هل هناك مؤسسات أو حتى جهات تستطيع الفتاة اللجوء إليها لمنع ذلك الزواج وتقديم المساعدة وتوفير الحماية اللازمة من الأهل وكافة الضغوطات وتنهى إسراء قصتها بتقديم نصيحة نابعة من قلب محروق وتقول "نصيحتي لكل البنات لا تضيعي حياتك بسبب سوء اختيار الاهل"
أما نهى 16 سنة فقصتها لم تكن بعيدة عن إسراء، فبعد وفاة والدها وزواج والدتها من آخر لم تجد حلاً للهروب من واقعها سوى الزواج من أحد أقاربها والبالغ من العمر 18 سنة
تقول نهى" كنت انوي الخلاص من الوضع الذي أعيش فيه قررت الهروب من الواقع الذي نعيشه حيث لم تتوافر لنا بيئة مناسبة للعيش بسلام لذا تزوجت من أحد الأقارب ولدي طفل عمره 4 سنوات"، وتضيف " أشتاق كثيراً للعب مع أبناء جيلي وحتى الدراسة ... تحملت المسؤولية منذ صغر ولكن هذا نصيبي".
أما ماجدة والتي لاتزال بالصف الثامن فهي مخطوبة حديثاً، وسعيدة بذلك، يُمثل الزواج بالنسبة لها فرصة لحياة جديدة، حيث أجابت عند سؤالنا لها عن ماهية الزواج " الزواج يعني أن أكون حاكمة البيت وملكة البيت"، وحول موافقتها على الزواج أجابت " أحب الشاب" وعند استفسارنا عن معنى أن تكون حاكمة البيت وملكته.. قالت" يعني هو بروح على الشغل وأنا بجيب أولاد وبربيهم وأنا حاكمتهم يعني أربيهم"
والدة ماجدة برّرت زواجها على اعتبار أنه "نصيبها " وأنّ "الأوضاع المادية الصعبة التي تعاني منها العائلة المكونة من خمسة أفراد وفقدان المعيل دفعها لتزويج ابنتها بهذا العمر وتضيف بأن "العريس عنده سوبر ماركت وعمره 23 سنة"
ولا يختلف حال نهاد كثيراً، فهي الآن حامل على الرغم من أن عمرها لم يتجاوز الـ 16 سنة اضطرت إلى الزواج بعد أن توفي والدها حيث تزوجت والدتها من آخر، وهنا تقول "بعد سبعة أشهر من زواج أمي اضطررت للزواج فأوضاعنا المادية سيئة جداً وأمي تركتنا بعد زواجها لنعيش عند جدي لكنه توفي ... ونتيجة لتدخل وضغط أعمامي وافقت على الزواج"، وتضيف" "أرغب كثيراً باللعب داخل وخارج المنزل كغيري من صديقاتي وأتمنى أن يكون لدي دمية ألعب بها أشتاق كثيراّ للعب "
تتعدد القصص والحكايات وتدخل الظروف والأحوال بحياة الكثير من الفتيات القاصرات اللواتي وجدن أنفسهن فجأة داخل دوامة من حياة جديدة يتخللها تحمل المسؤولية وحتى التربية في الوقت الذي لازلن يحلمن فيه بدمية أو حتى لعبة جديدة
وهنا يأتي السؤال الأهم من المسؤول عن المراهقات؟ ولماذا لا تقوم المؤسسات ان كان هناك مؤسسات معنية بذات الشأن بتقديم النصح والإرشاد والتوعية لهن لتجنب الوقوع في زواج القاصرات أو العلاقات غير المشروعة ؟ وأين دور المدرسة؟ تقول الامينة العامة للمجلس الأعلى للسكان الدكتورة ميسون الزعبي ل "لانني اهتم" أن المجلس ينظر إلى زواج القاصرات إلى أنه انتهاكاً للعديد من الحقوق الإنسانية المشروعة للفتيات وأهمها الحق في التعليم، والحق في تنمية القدرات والاختيار الواعي دون إجبار على شريك الحياة
وأوضحت الزعبي أهمية تكافؤ الزواج وبناء علاقات أسرية سوية، مشيرة إلى أن إهدار تلك الحقوق يؤثر سلباً على نوعية وجودة الحياة للفتاة وعلى صحتها الإنجابية، فضلاً عن الآثار الاقتصادية.
وبيّنت الزعبي أنه وبناءً على دراسة أعدها المجلس عام 2015 حول زواج القاصرات في الأردن أظهرت نتائجها أنه من بين كل 10 متزوجات على المستوى الوطني فتاتان دون سن 18، وأن من بين كل 10 أردنيات متزوجات يوجد واحدة منهن دون سن 18
وأشارت إلى أن أسباب زواج القاصرات متعددة أبرزها الفقر والتخلص من مسؤولية الفتاة المادية، والرسوب المتكرر والفشل الدراسي، والتخلص مما يُسمى مسؤولية "حماية شرف الفتاة"، بالإضافة إلى العادات والتقاليد والتنشئة الاجتماعية.
كما وأوضحت الزعبي أيضاّ أهمية تطوير البرامج والخدمات الوقائية والعلاجية الخاصة بزواج القاصرات، وإعداد استراتيجية وطنية للحد منه، فضلاً عن توجيه البحوث العلمية والدراسات لمعرفة القصور في التدخل في حماية الفتيات وإعطاء جدية لقضية زواج القاصرات
وبدورها أكدت عضو المجلس الاعلى للسكان ضُحى عبد الخالق على " ضرورة مواجهة عدة تحديات للحد من ظاهرة زواج القاصرات أهمها البعد الثقافي والاجتماعي، إضافة إلى التخطيط والتشابك مع المُؤسسات المحلية والدولية لوضع خطط واستراتيجيات فاعلة تنتج أثر خلال الخمس سنوات المُقبلة"
وشدّدت عبد الخالق على " دور المدارس في التربية والتعليم ومُعالجة قضايا تسرب الطالبات من التعليم ورفع إلزاميته حتى الثانوية العامة وهى " آليّة مُفيدة وملزمه للأسر فلا تتزوج الفتاه قبل انهاء تعليمها الثانوي وكذلك عبر العمل على دعم الأسُر الفقيرة ماليّاً للحد من تزويج الفتيات بسبب الفقر وضعف الإمكانات المادية"
وترى الأكاديمية الدكتورة خولة القدومي أن المملكة تشهد تزايداً ملحوظاً في نسب الزواج بين القاصرات، حيث بلغت النسبة خلال الأعوام الثلاث الماضية (31318) حالة أي مانسبته 13.35 % طلق منهن في عام واحد قرابة (494) حالة بنسبة 8.8 % من حالات الطلاق
ولفتت إلى أن هذا الزواج يخضع لجملة من الاعتبارات أهمها صغر سن الزوجة والزوج أحيانا، مما يعني عدم قدرتهما على تحمل مسؤولية بناء وتشكيل أسرة، ورعاية الأطفال، وفي الغالب يخضع الزوجان في هذا العمر الصغير لشروط وظروف الأسرة الكبيرة من حيث الوضع الاقتصادي والتبعية المادية لأهل العريس، الأمر الذي يتسبب بحدوث مشكلات اجتماعية بسبب الإملاءات والشروط التي يمكن للعريس وأهله بفرضها على العروس وأهلها أحيانا
وأكدت القدومي على أنه وفي حالات معينة قد تتزوج الفتاة الصغيرة وعمرها أقل من 18 عاماً برجل يكبرها في العمر بكثير، وهذا يعود عليه وعليها بمشكلات أهمها الخلافات الحادة بسبب اختلاف التفكير، والفارق الاجتماعي خاصة اذا كانت الفتاة من بيئة مختلفة وفي الغالب تكون الفتاة من بيئة فقيرة أقل من بيئة الرجل، فضلاً عن المشكلات الجنسية والجسدية التي يتسبب بها هذا الزواج خاصة إذا لم تكن الفتاة تتمتع بجسد وقوام ناضج، عدا عن المشكلات التي قد تترافق لديها مع فترة الحمل والرضاعة ورعاية الأطفال
من جهتها أكدت الناشطة الثقافية والتربوية ليلى العزة على أنّ زواج القاصرات مرفوض شرعاً وقانوناً، مشيرة إلى استغرابها من زواج الفتاة في سن 12 فهي طفلة وغير مؤهلة لتكون زوجة وأم، حيث وصفت زواج القاصرات بالظاهرة الاجتماعية الكارثية لما لها من نتائج سلبية على الفتيات
وأوضحت أن هذا الزواج غالباً ما ينتهي بالفشل مع وجود طفل أو أكثر مع فتاة طفلة تجهل كيفية التربية فالقانون الدولي اعتبر سن 18 هو السن القانوني، ولكن هناك أساليب تُتخذ لتزوير الأوراق الرسمية وإتمام الزواج وهذا بحد ذاته اعتداء علی حقوق الطفل الذي من حقه التعليم وممارسة حياته المناسبة لعمره. ولفتت إلى أن ما يدفع بعض الأهل لتزويج بناتهم في سن مبكرة هو المقابل المادي السخي الذي تتلقاه من أهل الزوج، بالإضافة إلى الفقر والبطالة والجهل على اعتبار أن الزواج بحسب رأي بعض الأهالي "ستر للبنات" مهما كان العمر
بدورها بيّنت الناشطة النسوية والاجتماعية تمام العزام على رفضها لزواج القاصرات كونه يسبب الألم للأم والطفل والمجتمع ككل، ويصبح المجتمع مليئاً بالمصائب والكوارث، وأن الفتاة ستكون بلا تعليم، متسائلة في الوقت ذاته عن كيفية كسبها للمال من أجل العيش، وحتى في حال حصولها عليه فإنها غالباً ما ستحيى حياة مريرة ملوثة
وتقول "زواج القاصرات يعني طفلات لم يكتمل بناء الجسم والعقل لديهن فهي غير مهيئة الجسم والرحم للحمل والإنجاب وعدى ذلك عن تربية الأطفال الذي تعاني منه الأمهات فكيف بهذه الطفلة. ...طفلة تربي طفلة فالمعاناة كبيرة والعواقب وخيمة على المجتمع ككل"
وتضيف العزام "لا نريد أن نضع النتائج السيئة من جهة الرجل قد يستمر الزواج ولكن ما هي الحياة التي ستعيشها طفلة تربي طفلة ومطالب زوجية وعبئ أسري، كما أن الزواج يحتاج إلى ثقافة أسرية بالإضافة إلى التثقيف الجنسي وما يحتاج إليه الطفل من التواصل الحسي واللغوي والبصري منذ اللحظات الأولى من الولادة "
وبحسب التقرير الإحصائي السنوي لعام 2015 والصادر عن دائرة قاضي القضاة في الأردن فإن إجمالي حالات الطلاق التي أوقعت من زواج العام 2015 والخاص بالزوجة، في المملكة بلغت 5599 واقعة طلاق، منها 64.2 % لزوجات أعمارهن أقل من 25 عاماً، ومن بينهن 494 قاصرة، وبنسبة 8.8 %، علماً بأن إجمالي حالات الطلاق التراكمي خلال العام 2015 من زواج العام 2015 وما قبل وصل إلى 22070 واقعة طلاق ومن بينهن 1026 قاصرة
وتشير الدراسات إلى أنّ محافظة المفرق تحتل النسبة الاكبر (24.5 بالمائة) لزواج القاصرات تلاها محافظة الزرقاء وبنسبة 18.8 بالمائة ومن ثم محافظة اربد بنسبة 17.7 بالمائة ، في حين لم تتعد المحافظات التسع الباقية المستوى الوطني حيث تراوحت النسب لباقي المحافظات ما بين 13.3 بالمائة في محافظة العاصمة و 5.6 بالمائة في محافظة الطفيلة
ألامينة العامة للمجلس الأعلى للسكان ميسون الزعبي
عضو المجلس الاعلى للسكان ضُحى عبد الخالق
الأكاديمية الدكتورة خولة القدومي
الناشطة الثقافية والتربوية ليلى العزة
الناشطة النسوية والاجتماعية تمام العزام