الغد_ يحدثُ أن تكون في "باريس" وألا تتمكّن من الحركة! ولن تستطيع أنّ تذهب الى أي مكان أو أن تستخدم قطار الأنفاق أو سكّة الحديد أو الباص ولن يقبلك تكسي (مضرب) لنقلك الى الفندق ولو عرضت عليه المال الوفير
ولن يتمكّن الزائر أو المُوظف من الذهاب الى اي مكان سوى باستخدام الدراجة الهوائية! ولن تتمكّن من شراء فنجان قهوة أو تناول شطيرة من مطعم لأنّ كل شيء عندهم يتوقّف عندما تٌقرّر نقابات العُمّال في فرنسا الاضراب
والعُمّال الفرنسيون همُ أكثر من "يحرد" في أوروبا وبشكل مُخيف كأن يقوم الاطبّاء والمُمرضات مثلاّ بالتوقُف عن العمل والتهديد بتعطيل العاصمة في فرنسا عبر الاضراب هو "التكتيك" الأقدم والأكثر اضراراّ بسمعة اقتصاد فرنسا وبقدرته على الانجاز
لهذا قام الرئيس الفرنسي بطرح قانون العمل الذي سيسمحُ بالتفاوض المُباشر مع أصحاب العمل وبتقدير الأجور والتوظيف أو التسريح دون الحاجة الى الرجوع الى النقابات أو للاتفاقيّات الجماعيّة.
ولهذه الخطوة دلالة عميقة وهي تعديل للأعراف العُمّاليّة، وفي مسألة العرض والطلب تختبرُ السوق الفرنسية اليوم ميّزة الوفرة بالعُمّال الوافدين وبأسعار تفضيليّة وميزان التفاوض الآن هو في صالح المُؤسّسات الكُبرى وأرباب العمل
وفي الأردن عندما يحدثُ اضراب تظهرُ "الفزعة" ويتمّ تطييب الخواطر لتتحقّق بعض المُكتسبات بحدّها الأدنى، عبر التفاوض الطويل والتنسيق مع الأجهزة الأمنيّة والعائلة، أو حتّى بتواطؤ بعض العُمّال على حساب مطالب زُملائهم وشاهدنا انشاء نقابات فرعيّة أضعفت الجسد النقابي
كما يوجد للآن من يقوم بشيطنة النقابييّن وبشن حملة ضد الناطقين بحقوق العاملين بشكل عام! ولن يُمكن القول بوجود حركة نقابيّة هي في صلب الإضرابات في الأردن كما في فرنسا، أولاّ لأنّ الكثيرين عندنا سواء ممن كانوا من اليسار أو من اليمين قد عمدوا إلى التقليل من شأن القضيّة العُمّاليّة باعتبار أنّ "الأمن" هو الشيء الوحيد المُهم، وثانياّ لأنّ سُوق العمل صغير وغير مُعقّد والناس طيّبون، وثالثاّ تمكّن أرباب العمل عندنا من تقديم الدليل تلو الآخر بأنهم يتجاوزون مسألة الحدّ الأدنى وأنّهم دائبون على تحسين المُكتسبات بالخصوصيّة الصناعيّة، ورابعاّ ما جادت به الدولة على عُمّالها كان كافياّ والى حين
ولا تُدير النقابات عندنا اضراب العُمّال بالشكل الفرنسي بل يتمّ ذلك عبر الوساطة، والاستعانة بأفراد قيادييّن وجمعيات قطاعيّة بترتيبات أمنيّة
الفرضيّة هي أنّ لا أحد سيرغبُ بالإضراب، ولن يكون للعامل حاجة ماسّة بإضراب عندما يتمُّ التعامل جديّاّ مع حاجات الأطراف وفق مبدأ الربح للجميع win-win, والمُناداة بالإضراب عكس تسهيل الحلول يُعتبرُ اليوم خسارة للجميع Lose-lose ومن الواضح بأنّ القطاع الخاص سيتجنّب الاصطدامات العمّاليّة وسيزداد عبء التطوير لدى ادارات تنمية الموارد البشريّة في الشركات لتصحيح بعض الامتيازات العمّاليّة وتحديداّ في الشركات المُساهمة العامّة
كما ويُلاحظ أيضاّ بأنّ الشركات الكُبرى والدوليّة تقومُ اليوم بإحضار أفضل مُمارسات إدارة الموارد البشرّية من بلادها وتنقُلها طوعاّ الى الأردن بما فيه الرواتب العالية وهذا مكسبّ لشريحة واسعة من المُوظفين واضافة نوعيّة لسوق العمل وكلّ هذا سيجعل من طلب الإضراب، خرابا.
*خبيرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات
Comments