بيكوز أي كير_ خاص _ بدأت سمر حدادين مسيرتها الصحفية من الصحافة الأسبوعية، في منتصف التسعينيات، عندما كان العصر الذهبي للصحافة الأسبوعية، وفيها تعلمت الكثير؛ وأهم ما تعلمته هو أنّ على الصحفي البحث والتحري والاستقصاء، وألا يكتفي بالخبر فقط، فثمة أشياء كثيرة ما وراء الخبر.
ورغم غنى التجربة والاستفادة الكبيرة التي حققتها حدادين من هذه المدرسة لجهة العمل في الميدان والبحث والمغامرة والتنوع في الملفات التي كتبت فيها من الرياضة والفن والقضايا الاجتماعية، إلى السياسة والأحزاب والبرلمان وقضايا حقوق الإنسان والمرأة، إلا أنها ترى بأن هناك نقاطاً أساسية غابت عن هذه الصحافة وهي الالتزام بالموضوعية والحياد وتحري الدقة والمصداقية، وهي عماد الصحافة التي من دونها تفقد قدرتها على البقاء حية بأذهان القراء.
ومع بداية الألفية الثالثة دخلت حدادين عالم الصحافة اليومية من بوابة أم الصحافة الأردنية وعميدتها "جريدة الرأي"، وفيها تعلمت أن الحرف له تأثير على الرأي العام، وهو ما يحتم على الصحفي مسؤولية تحري الدقة والموضوعة والمصداقية.
تقول حدادين " تجربتي السابقة بالأسبوعيات أعطتني ميزة استخدام قوالب صحفية جديدة وساعدتني على كتابة القصة الصحفية والتقرير الإخباري واستعمال لغة ومصطلحات صحفية أثرت كتاباتي" .
وتضيف "وفي "الرأي" تعلمت أن الصحافة ليست فقط نقل معلومة وتحليلها والبحث عن المزيد حولها، بل هي أبعد من ذلك، هي رسالة وحمل قضية تصنع تأثيراً في المجتمع، فأتيحت لي فرصة حمل ملف حقوق المرأة وحقوق الإنسان، فصرت مدافعة بشراسة وقناعة عن حقوق المرأة ورفع التمييز ضدها، ليس من منطلق التحيز وإنما لقناعتي أنه لا يمكن أن تتحقق التنمية المستدامة دون أن يكون فيها الرجل والمرأة لاعبان حقيقيان على قدم المساواة، والمجتمع المؤمن بأن المرأة مواطنة كاملة الحقوق والأهلية كالرجل، سيتقدم بخطوات متسارعة".
وتؤكد حدادين والتي لازالت تعمل في الرأي برتبة مديرة تحرير ومتخصصة بملف حقوق الإنسان والمرأة والمجتمع المدني على وجود صعوبات عدة تواجهها المرأة العاملة في مجال الصحافة والإعلام، أهمها ضعف فرصة وصولها إلى مواقع صنع القرار إن كان بالمؤسسات الصحفية والإعلامية، أو في مفاصل صناعة القرار الإعلام بالحكومة.
هذا الأمر أدى بصورة أو بأخرى وبحسب حدادين إلى تسرب حالة من الإحباط لدى الصحفيات، ذلك أنهن من لحظة دخولهن معترك الصحافة إلى أن يغادرنه طوعا بالتقاعد أو قسرا بالاستقالة والعودة إلى المنزل، لا يتقدمن أية خطوة نحو أعلى هرم المؤسسات الصحفية أو مواقع صنع القرار ككل.
ومن الصعاب التي تواجها الصحفية أيضاً تشير حدادين إلى قضية المواءمة ما بين عملها الصحفي الذي يحتاج إلى أن تكون حاضرة في قلب الحدث كل الوقت خصوصا مع سرعة انتقال المعلومات ومسؤولياتها الأسرية والمنزلية، وهو ما يضع معظم الصحفيات أمام الخيار الصعب وبالمعظم ينتصر خيار المسؤوليات الاجتماعية والأسرية، حيث ترى أن وجود التعاون داخل الأسرة بتقاسم المسؤوليات يساعد الصحفية على التوازن بين عملها وأسرتها.
وتشير حدادين إلى قضية لا يتم التعامل معها بما تستحقه، وهي تعرض الصحفيات إلى مضايقات، إن كان في أماكن العمل، أو بالتعامل مع مصادر الأخبار والمعلومات، وهو ما يؤدي إلى صعوبة في أداء الصحفية لعملها.
كما تؤكد على مسألة عدم توفر الحضانات لأطفال الصحفيات في أماكن العمل كما نص على ذلك قانون العمل الأمر الذي يجعل مهمتها صعبة لعدم شعورها بالأمان على أطفالها، كما أن بعض المؤسسات الإعلامية برأيها لا تعترف في إجازة الأمومة التي منحها أياها قانون العمل في حالة الوضع والتي تصل إلى 70 يوما.
وتضيف " يحرمن الصحفيات من متابعة أخبار القطاعات المهمة سياسياً كالبرلمان ورئاسة الوزراء والديوان الملكي والأجهزة الأمنية، ودائما توكل هذه المهمة للصحفيين إلا ما ندر، يرافق ذلك صعوبة بناء علاقات مع مصادر مهمة لأن الصحفية غير قادرة على الإيفاء متطلبات تعزيز هذه العلاقات في الكثير من الأحيان، كما هي متاحة للصحفي، كاللقاءات الاجتماعية والسهرات واللقاء في الأماكن العامة".
وحول تقييمها لمستوى الصحافة من حيث المهنية والحرية في المملكة تقول حدادين " المهنية تتأرجح باستمرار، وأعتقد ان الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، رغم تأثيرها إيجابيا من ناحية سرعة نقل المعلومة ورفعت سقف الحرية أحيانا، إلا أنها أضرت بالمهنية"، وتضيف بأن "الاهتمام تركز على سرعة نقل المعلومات على حساب المهنية وتحري الدقة والمصداقية، كما أن اللغة المستخدمة في بعض هذا الإعلام عززت خطاب الكراهية نحو الآخر، إن كان الآخر مختلف سياسياً أو عرقياً أو دينياً أو من الفئات الأكثر عرضة للانتهاك كالطفل والمرأة وذوي الإعاقة، وعزز في بعض الأحيان الصورة النمطية للمرأة، واعتمد الخطاب الشعبوي حتى وإن كان ذلك على حساب دقة المعلومة وصحتها".
هذا الوضع وفق حدادين أثر سلبياً على الحريات، وأدى إلى أن يفكر صانع القرار بالإعلام للبحث عن قوانين غايتها التنظيم وتخليص الإعلام من الشوائب إلا أنها في نهاية المطاف أثرت سلباً على الحريات الصحفية.
وتعتقد حدادين بضرورة إعادة صياغة ميثاق شرف ومدونة سلوك لتفادي هذه الأمور، وتعزز حقوق الإنسان وتركز على الابتعاد كل ما يؤجج خطاب الكراهية للآخر، فالعمل ببيئة صحفية وإعلامية مهنية يعزز الحريات ويدعمها.
ومع انتشار التكنولوجيا وازدياد المواقع الإلكترونية ذات الطابع الإخباري أصبح الحديث يكثر حول امكانية اختفاء الصحف الورقية، وهنا ترى حدادين إلى أنّ "كل لون من ألوان الصحافة له جمهوره ولديه المجال كي يتخصص في حقل مختلف عن الآخر، وكلما أسمع هذه المقولة يتبادر إلى ذهني الإذاعة والتلفزيون والسينما، فعندما ظهر التلفزيون كان الاعتقاد أن الإذاعة ستختفي، ومع الأيام ثبتت عدم صحة هذه النظرية، فلكل إعلام نكهة وقيمة".
وتؤكد على أنّ بقاء الصحافة الورقية وقدرتها على التنافس له شروط موضوعية مطلوب من مؤسسات الصحافة الورقية القيام بها، وهو إعادة إنتاج صورتها ودورها، واهتماماتها، والبحث عن وسائل لاستقطاب القراء الذين سيجدون بين ثنايا صفحاتها ما لم تستطع الصحافة الإلكترونية من القيام به.
وتشير إلى أنه لم يعد يجدي نفعا أن تنافس الصحافة الورقية على الخبر، ذلك لأن الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي تنشره في لحظة حدوثه، وإنما مجال الورقي هو التحليل والاستقضاء وكتابة القصة الصحفية، والمقالة.
وتعتقد أنّ الصحافة الورقية ينبغي أن تقدم مادة صحفية وفنون صحفية مختلفة عن الإعلام الإلكتروني لتتميز وتحافظ على وجودها ويكون هناك مبرر لبقائها في ظل ارتفاع تكلفة إنتاجها، كما ترى بأنّ المرحلة المقبلة ستفرز المواقع الالكترونية، ولن تبقى تعتمد على النسخ واللصق من بعضها أو من الورقي، فإذا أردنا إنتاج صحافة إلكترونية راقية وقابلة للاستمرار ينبغي أن تتحول إلى مؤسسات ولديها كوادر منتشرة في المملكة، على أن تقدم الميزات كافة للصحفيين من تأمين صحي وضمان اجتماعي وعضوية نقابة، حتى لا تبقى عبارة عن دكاكين يمكن أن تختفي بأية لحظة.
وحول أبرز الصفات التي يجب أن يتحلى بها الصحفي للارتقاء بمهنته تؤكد حدادين على ضرورة التحلي بالمهنية والموضوعية والدقة والمصداقية، وأن يتسلح بالمعرفة والثقافة، وشبكة معلومات تساعده على الاطلاع على ما يدور حوله، على أن يكون باستمرار متابعاً للأحداث المحلية والإقليمية والعالمية.
وتقول" أذكر نصيحة قدمها لي الصحفي المرحوم الأستاذ جورج حداد وأنا على مقاعد الدراسة الجامعية، حيث قال لي عليك قراءة كل ما يكتب بالإعلام من أسعار الخضار إلى دهاليز السياسة الأميركية والروسية والأوروبية، وأنا ما زلت أعمل بنصيحته لليوم".
وقد قامت حدادين بإعداد ورقة نقاشية حول المعيقات التي تحول دون تبوُّء المرأة مراكز قيادية في مجال الصحافة في الأردن وكيفية التغلب عليها حيث حاولت ومن خلالها تشخيص الأسباب التي تقف بوجه تقدم المرأة وصولا إلى أعلى هرم صنع القرار الإعلامي، حيث قدّمت حلولاً مقترحة لتجاوز المعيقات.
وعن أبرز تلك الحلول نقول حدادين "ينبغي السعي إلى الوصول للمساواة لكلا الجنسين في المؤسسات بحيث يكون الخيار عند توكيل المهام محدده الكفاءة، وكذلك الحال بالنسبة للترفيع والأجور، ووضع إطار زمني لتعزيز تمثيل الإناث في المواقع القيادية لا أن ننتظر إلى حين أن تقنع المؤسسات بدور المرأة وأهمية عملها كصحفية".
وتضيف "يجب تطوير آليات عمل صديقة ملائمة للمرأة الإعلامية، بما يمكنها من المشاركة بفاعلية، خصوصا الأدوار القيادية فيها، مثل اختيار أوقات اجتماعات مبكرة، أو توفير مرافق لخدمة الأطفال ودور حضانات، إضافة إلى الاستفادة من التطور التكنولوجي بإتاحة الفرصة أمام المرأة للعمل عبر المنزل، فثمة محاضرات علمية ونقاشات سياسية تجرى عبر القارات بواسطة الحاسوب".
وترى حدادين أنه وفي هذه المرحلة يجب مراجعة القوانين والأنظمة التي تمس حقوق المرأة للوصول إلى المساواة بين الجنسين، وصولاً إلى استراتيجية وطنية تهيئ للمساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين".
وتعتقد أنه يجب على المجتمع ممثل بأجهزته الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق المرأة السعي نحو تغيير الصورة النمطية وكسر القالب الجامد الذي وضعت فيه المرأة، لنبدأ من المناهج حتى نربي جيلاً مؤمناً بدور المرأة وبضرورة الشراكة بين الجنسين، فما دامت المناهج المقدمة لأولادنا منذ الروضة على نمط (نبيل ينام وقصته إلى جانبه، فيما تنام ليلى ولعبتها إلى جانبها)، الصيغة التي تعزز الدور النمطي غير المنتج والهامشي للمرأة لن تتمكن النساء من تحقيق أدوار متقدمة لهن، وتبقى طاقاتهن مهدورة غير مستفاد منها.
إلى جانب عملها الصحفي فقد تم اختيارها من قبل سمو الأميرة بسمة بنت طلال في أيار الماضي عضوة في المجلس الأعلى لتجمع لجان المرأة الوطني الأردني، وهذا المجلس دوره استشاري استراتيجي، يساهم بوضع تصورات ورسم السياسات لعمل التجمع.
وحول ذلك تقول " أنا فخورة باختيار سموها لي، وأتطلع للعمل بحماس كبير مع زميلاتي عضوات المجلس وهن نخبة من سيدات المجتمع، ولهن باع طويل في العمل العام ومناصرة قضايا المرأة".
وحول تجربتها في نقابة الصحفيين كونها كانت عضو سابق في المجلس ترى حدادين أنها فخورة بتلك التجربة وتضيف "سعيت خلال فترة وجودي بمجلس النقابة أن أدافع عن زملائي وزميلاتي وأراعي مصالحهم، وأحمي المهنة من الدخلاء، وأعتز إنني وقفت وبحزم بمسألة العضوية، ورفضت بقوة قبول أي شخص لا تنطبق عليه شروط العضوية، وموقفي هذا كلفني الكثير، وتعرضت بسببه للمحاربة من المتضررين منه، ومع ذلك لم يجعلني الهجوم أحيد عن موقفي".
وحول المعيقات التي واجهتها تقول" واجهتني معيقات عديدة نظرا لكوني المرأة الوحيدة في المجلس، ما غلب الطابع الذكوري على القرارات والعمل على إعاقة أي اقتراح أتقدم به يتعلق بمصالح الصحفيات، وأذكر أن النقابة عقدت مؤتمراً لمناقشة قضايا الإعلام، رفض أعضاء المجلس تخصيص جلسة خاصة لمناقشة القضايا التي تواجه المرأة الإعلامية، بحجة أن القضايا والتحديات هي نفسها التي تواجه الصحفي والصحفية".
وتضيف "مع ذلك استطعت انتزاع مكتسبات لزميلاتي من بينها التأكيد على ضرورة مراعاة المساواة الجندرية عند اختيار مشاركين في الدورات التي تعقدها النقابة، ومنح الصحفية فرصة الذهاب إلى الحج مثل الصحفي عبر توفير تأشيرة لمرافقها (المحرم)، ومساواتها مع الصحفي من حيث حقها بشمول عائلتها أي زوجها وأولادها بالتأمين الصحي التي تقدمه النقابة لمنتسبيها، كذلك حقها بشمول والديها إن أثبتت أنها المعيلة الوحيدة لهم".
وتؤكد على أن تجربتها تلك وفق بيان أصدرته جمعية معهد تضامن النساء الأردني (تضامن) بعد انتخابات النقابة الأخيرة، كان بها تأثير بأن يفرز الوسط الصحفي، صحفيتين في عضوية مجلس النقابة وهي المرة الأولى التي تحدث بتاريخ نقابتنا.
وقد حظيت حدادين بالعديد من النجاحات والجوائز في المجال الإعلامي من جهات مختلفة، تهتم بقضايا المرأة وحقوق الإنسان، كان لها الأثر في تعزيز أدائها ومسيرتها الصحفية، وهنا تعتقد حدادين أنّ "نجاح الصحفي أو الصحفية عبر تغيير ملموس وحقيقي بقضية يحملها ويتبناها لا يقل أهمية عن الجوائز، فأنا شعرت بطعم النجاح عندما رأيت صندوق تسليف النفقة على أرض الواقع، الذي تبنيت المطالبة به وتفعيله على أرض الواقع بكتاباتي الصحفية، وكذلك قضية تقاسم الولاية بين الزوجين على أطفالهم في التعليم والصحة، وقضية سحب الولاية من الأب الذي يعنف أولاده جنسيا وغيرها من قضايا".
وتشير حدادين إلى وجود نماذج صحفية نعتز بها استطاعت الوصول إلى مراكز متقدمة بالإعلام، مثل الأستاذة جمانة غنيمات رئيسة تحرير جريدة الغد، والاستاذة بيان التل تبوأت منصب مديرة تلفزيون، والدكتورة سيما بحوث تبوأت منصب مديرة إدارة الإعلام في الديوان الملكي، وغيرهن.
وترى بأنهن شكلن نماذج ناجحة تحفز الصحفيات لإحراز تقدما مشابهاً لما حققنه، فقد أثبتن وجودهن وقدرتهن على إدارة مناصبهن بنجاح، لا يستطيع أحد أن ينكره، وتؤكد على أن الصحفية الأردنية والإعلامية عموما استطاعت أن تحفر اسمها بكل فخر وبقوة في الوسط الإعلامي الأردني والعربي والعالمي، فثمة إعلاميات أردنيات حققن نجاحات خارجيا مثل منتهى الرمحي، وعلا فارس، وكارولين فرج وغيرهن.
وتؤكد انه" علينا كصحفيات وإعلاميات تطوير مهاراتنا الصحفية والتكنولوجية كي نحافظ على ما أنجز ونبني عليه، وإذا أردنا تحقيق حلم الوصول إلى المناصب بالإعلام، علينا مواصلة العمل للوصول لهذه الغاية، وأن نبقى متميزات مهنيا وبأدوات المعرفة والتكنولوجيا، وأن نحسم قرارنا هل نريد أن نكون صحفيات أم موظفات نعمل في صحف ومؤسسات إعلامية؟ وخيارنا هو ما يحدد مكاننا في عالم الإعلام والصحافة".
Comments