التعليم أساس المجتمع ووسيلة نمائه وتطوره ورقيه، وهو بوصلة المجتمعات للمضي إلى المستقبل بثقة وأمل. هو الأداة والوسيلة التي من خلالها نربي جيلاً متسائلاً مفكراً محركاً للتغيير. يقولون إذا علمت رجلاً فإنك تعلم فرداً، وإذا علمت امرأة فإنك تعلم أسرة بكاملها ولهذا فالتعليم يمس المجتمع بكامله.
إن التعليم المتنور يخلق مواطناً صالحاً يتحلى بسمات المواطنة الحقة، فالتعليم هو خط الدفاع الأول عن الوطن من كل من تسول له نفسه العبث به أو زعزعة استقراره. أما التعليم المتنور يقف ضد أشكال التعصب والإقصاء، هو الذي يجعل الإنسان منفتحاً على الآخر يحاوره ويختلف معه ولكنه يحترمه. هو الذي يُشعر الإنسان بكيونته وأهميته في خلق بدائل جديدة. إن التعليم المتنور وبمناهج مستنيرة وبقادة مستنيرين يخلق إنساناً محباً متطهراً من كل أشكال العداء.
أما الثقافة والإبداع فهما الحصن المنيع الذي يحمي المجتمعات من الانهيارات الاجتماعية والسياسية، فالثقافة هي رؤية نقدية، وهي نقد جذري بأدوات جذرية صنعتها تجارب الشعوب، وإننا في هذه الفترة الحساسة التي تمر بها أمتنا العربية، أحوج ما نكون إلى أصوات تحرس الذاكرة، وتجمع فتات الضوء، وتحفر كوى كبيرة في الجدران لتقتحم الشموس بضوئها ودفئها، وتبث في النفوس أملاً متدفقاً بأن غداً مشرقاً قادم لا محالة.
إن دور المدرسة اليوم هو أن تقدم بسخاء كل ما من شأنه أن يساهم في تشكيل العالم من جديد، عبر تسليح طلبتها بعدة السفر على طريق اختراق المجاهيل وملامستها ليعشوا مغامرة الكشف بعقولهم ووجدانهم، أن تعمل على تنوير بصيرة طلبتها بطريقة عقلية نقدية، تمكنهم في نهاية المطاف من التمييز العقلي بين الغث والسمين بأنفسهم.
فالمدرسة اليوم مؤسسة تسعى إلى إعلاء صوت العقل والنقد والمساءلة والتمحيص، وإلى وضع أجمل ما في طاقة هذه الأمة من إمكانيات صادقة على الخلق والبحث والإبداع على المحك، وإلى طرح الأسئلة الملحةوالمقلقة، فقد أصبحت المعرفة هي المعنى الكوني لحركة الإنسان في الحياة، ولا يمكن أن يتغير المجتمع إلا إذا تغير من الداخل، وهذا التغير لا يكون إلا بنمو المعرفة التي تمثل أبهى ما في إنسانية الإنسان، حيث يبقى مركز الكون وقطبه وغايته. وفي الوقت نفسه على المدرسة أن تؤمن بأن العقل المتحالف مع القلب والذي ينصت إلى نبضاته هو العقل القادر على التغيير، ومن هنا تساعد المدرسة طلبتها على معرفة ذواتهم والحياة، فيغدوا قادرين على تصور العالم على نحو يغاير المألوف ويعيدوا خلقه من جديد.
على المدرسة اليوم أن تقدم نفسها ساحة للتعدد في سياق التكامل، تدعو إلى نبذ العنف والانتصار لمحبي الحياة الذين يعملون جاهدين من أجل الإنسان والإنسانية. دورها يكمن في حراسة زهرة المحبة التي تعانق طيف الحياة برغم ما يعترضها من مصاعب ومشاق.
العين هيفاء نجار - المديرة العامة للمدرسة الأهلية للبنات ومدرسة المطران للبنين
Comments